الصفحة الرئيسية  رياضة

رياضة منتصر الوحيشي بين مطرقة اختراق الحديقة وسندان النيران الصديقة...

نشر في  12 سبتمبر 2014  (12:18)

جرّب الافريقي حلولا عديدة، لكنه لم يسلك طريقا آمنة تقي هيئته من نيران انتقادات وخلافات عديدة تلظّى من سعيرها وضربت في المقام الأول فريق كرة القدم الذي عجز لستّ سنوات متتالية عن التتويج المحلي، أما قاريا فان أسهم الجمعية لازالت تعيش تهاويا كبيرا جعل نادي باب الجديد يبتعد عن الواجهة بين كبار افريقيا...
كل هذه المعطيات فرضت على رئيس النادي سليم الرياحي ادخال بعض الروتوشات، وبعد تصلّب كبير ارتأى الرجل الأول في الافريقي "تجميد" نشاط كل من مراد قوبعة وسليم دولة اللذان رافقهما لغط كبير، وبعد عناد مستمر اقتنع الرياحي بأن صداقتهما قد لا تفيد الجمعية في شيء وخيّر -مثلما طالب الكثيرون- منح الثقة الى منتصر الوحيشي ليكون مديرا رياضيا ب"كارت بلانش" غير متناهية الصلاحيات ولو مؤقتا بما أن مزاج رئيس النادي الافريقي متقلّب وقد يغيّر بين الفينة والأخرى قناعاته ويقرّر سحب الثقة من أي كان..وهذه ثابتة من منطلق تعامله داخل حزبه أو صلب الافريقي..
المهم أن المستجدات رمت بالوحيشي في صدارة الاهتمامات، وباتت تحرّكات الرجل محل تأويلات ونقاشات قد تكون أقرب الى العكاظيات..وهذا منطقي ومنتظر، فالمنصب الذي ناله محلّل الأحد الرياضي سابقا مازال يغري الكثيرين ويسيل لعابهم، وهذا ما جعل الانتقادات التي تعصف بالوحيشي بلا حدّ..
بين هذا وذاك تسنّى للافريقي ضمان بداية موسم موفقة -ولو مبدئيا- بعد أربع جولات اقتسم فيها الصدارة مع "البقلاوة"، بيد أن ذلك لم يرض الكثيرين حتى من داخل الهيئة طالما أن البعض بات يتندّر بالصلاحيات الوافرة للمدير الرياضي الى حدّ جعل بعض مسؤولي الهيئة يجيبون مثلا من يستفسرهم حتى عن موعد مباراة أو حقيقة اثارة أو مصير احتراز، يجيبون بطريقة مستفزّة وتحمل الكثير من الايحاءات ومفادها: "عاد شوف سي منتصر هو الكلّ.." وهي كلمات حبلى بالدلالات والمقاصد وتحمل بين السطور كثيرا من الغيرة والاستهزاء والتندّر...
منتصر الوحيشي وحتى لا نكون لسان دفاع عنه أو عن غيره ليس ملاكا بريئا خال من الأخطاء، بل ان اجتهاده يحتمل الصواب كما الخطأ، غير أن ما يعاب عليه أساسا هو "تعاليه النسبي" منذ توليه منصب الادارة الرياضية لفريق باب الجديد بشكل حوّل اهتمام الجميع الى شخصه عوض الاعتناء بمسار نتائج ايجابية لزملاء زهير الذوادي مع تحسن ملحوظ في الأداء والمناخ العام لفريق كانت أجواء حجرات ملابسه هي نقطة ضعفه الأولى..
نعم، الافريقي كان يعيش اختراقا اعلاميا غير مسبوق وباتت كل جزئيات وتحرّكات وتفاصيل حجرات الملابس مجالا لصخب اعلامي وجماهيري بلا حدود، حتى ان بعض اللاعبين والمسيّرين وحتى من المدربين الذين تداولوا على الفريق -وصاروا ينتقدونه حاليا- كانوا يتسابقون لتسريب ما يجدّ من حيثيات، وهذا ما سعى الوحيشي الى التقليص من حدّته وهو الخبير بخفايا المشهد الاعلامي، لكن البعض يرى في صلابته هذه تمرّدا على المألوف، في حين كان المدير الرياضي قادرا على تجاوز هذا الجانب بقليل من المرونة واللباقة في التعامل مع الصحفيين حتى لا يجوع الذئب ولا يشتكي الراعي، فمن حق الاعلاميين نيل المعلومة، كما أن منتصر مطالب بالحفاظ على أسرار الكواليس وهي معادلة صعبة جعلت الأجواء مكهربة وقابلة للانفجار في أية لحظة بما أن الجماعة حوّلوا اهتمامهم من الفريق الى الوحيشي الذي أسال حبرا بلا عدّ وبات محورا مركزيا للقراءات والتحاليل ولكل من أراد ترويج أخبار عن الافريقي.
ما يجري من تجاذبات ليس بريئا وهنا لا بد من التنبيه الى وجود حلفين في الافريقي، أولهما في الحديقة ويضمّ يوسف العلمي ومنتصر الوحيشي، وفي الشق الثاني يصطف المعارضون من جماعة الهيئة الحالية ومن المغضوب عليهم سابقا في البحيرة، ولا ريب في القول ان استهداف المدير الرياضي وتسليط محاور الاهتمام عليه مؤخرا ليس بمعزل عن تحرّكات خفية لجبهة الرفض..والا بما نفسّر تركيز كل الحديث عن المدير الرياضي والتغافل عن تحوّلات كبيرة يسير على وقعها الرصيد البشري بعد غربلة أتت على "الحرس القديم" ومازالت تتهدّد بقاياه، مقابل قدوم أقدام يافعة تعد بالكثير..
في الترجي مثلا وعلى بعد أمتار فقط من "الحديقة أ"، فان قدوم ماريغا واستنزاف أكثر من مليار ونصف من أجله دون أن يخوض دقيقة واحدة مرّ في صمت مطبق وهو الحال في التعاطي مع فشل الترجي في تخلّص من تركة ثقيلة عنوانها يانيك نجانغ، كما أن الخطى المتعثرة لفوسيني كوليبالي وبقية الانتدابات لم تشد بعض الأقلام لانتقاد تمشيات ادارة "المكشخة" وهي من الأسرار النادرة التي صنعت نجاح الترجي تاريخيا، ولكن مجرّد رفض ملف بيكامينغا لسقوطه في الاختبار الطبي أقام الدنيا ولم يقعدها في حديقة الافريقي..وهذا ما يعيدنا الى نقطة البداية للتأكيد على "أمر دبّر بليل" ولا صلة له بالنقد الهادف والبناء...
الوحيشي أخطا حينما قرّر التصعيد معلنا قطيعة شبه ملحوظة مع الاعلاميين وهذه حرب خاسرة، وكان من الأجدى له توزيع المهام مع ناطق رسمي غافل بدوره عن مهامه حاليا وتفرّغ لل"تنبير"، وبذلك تكون حدّة الضغط أقل بكثير ولا يكون ظهور الوحيشي المتكرّر وتصريحاته المستفزة سببا في اشعال نار الفتنة، وفي المقابل فان من استهدفوا المدير الرياضي انما هم في الحقيقة يستهدفون استقرار الجمعية لأن الوحيشي الى زوال وليس الاّ مجرّد اسم عابر في حين يظلّ الافريقي ثابتا باختلاف مسيّريه ولاعبيه عبر الأزمان..وهذه قناعة يجب أن يدركها "شعب الافريقي" وكذلك جبهة المعارضة التي نالت فرصا بعدد شعر الرأس وجنت خيبات بلا عدّ غير أن بريق المناصب وبرستيج الكراسي هو القدر الذي يربطها بالافريقي ..ولا عشق ولا هم يحزنون...
الافريقي يبقى ظاهرة صحيّة جديرة بالدراسة بالنظر الى العشق الخرافي الذي تكنه جماهيره للونيه، غير أن التفاعلات العاطفية وحدها قد لا تفي بالغرض بالنظر الى الحجم المهول للمناورات والنيران الصديقة التي غالبا ما كانت سببا رئيسيا في الفشل الاداري ومنه يتسرّب الوهن الى مفاصل اللاعبين ويكون - كالعادة- موسما أبيضا..ولكن بتداعيات سوداء قد تتكرّر مالم يتم تعديل الرمي بين الأحلاف المتصاعدة في سماء حديقة القبايلي.


طارق العصادي